لا شك أن نظام فلاديمير بوتين “رئيس روسيا” سيمتنع عن كشف النقاب عن الظروف الدقيقة. للانفجار الذي وقع في 23 أغسطس/آب، والذي أودى بحياة رئيس مجموعة فاغنر “إيفغويني بريغوجيني”، وستة من أفرادها. المتعاونين معه بالقرب من موسكو.
السرية هي جزء من مناخ الرعب الذي يفرضه رئيس الدولة الروسية لتعزيز سلطته، بما في ذلك بين حاشيته.
وحسب تقرير نشره موقع لوموند الفرنسي، فمنذ سقوط الطائرة، كانت الأجهزة السرية الغربية الرئيسية تتحدث وتحاول معرفة المزيد عن طريقة العمل.
هكذا قتل رئيس فاغنر برواية أمريكية
وبحسب المعلومات التي نقلها الأميركيون إلى حلفائهم الأوروبيين. فإن الانفجار لم يكن عرضياً. تم التوصل إلى هذا الاكتشاف، إلى حد كبير، بفضل الذكاء الفني لعدم إمكانية الوصول إلى أجزاء الجهاز.
ووفقًا لثمرة التعاون بين الأجهزة الغربية أيضًا، فمن الممكن أن يكون عملاء من المخابرات العسكرية الروسية (GRU) قد لعبوا دورًا في الإعداد لعملية استهداف بريجوجين.
ومن بينهم ظهر اسم أندريه أفريانوف، المعروف لدى هذه الأجهزة السرية نفسها لأنه قاد الوحدة 29155 من GRU، رأس الأفعى في التدخل الروسي في أوروبا لمدة عشر سنوات تقريبًا.
وتقول الصحيفة الفرنسية انها لم تتمكن من الحصول على تفاصيل حول مستوى تدخل أندريه أفريانوف. لكن ثبت بالفعل أن منصبه، اليوم، ضمن سلطة بوتين، قد تم سداده مقابل الخدمات الثمينة التي قدمها للنظام ولم يعد هو المنصب الذي عرفناه في عام 2020.
أفيريانوف أندريه.. الأمن والأعمال الدموية
وفي نهاية يوليو، في سانت بطرسبرغ، خلال اجتماع مع وفد مالي، خلال القمة الروسية الإفريقية، ظهر إلى جانب الوزراء الروس ورؤساء التكتلات المحيطة بفلاديمير بوتين.
وعندما جاء دوره لتقديم نفسه، نراه أمام الكاميرات يتخلى عن عبارة مقتضبة “أفيريانوف أندريه، الأمن” .
في الواقع، ملفه الشخصي مختلف تمامًا. والآن أصبح أندريه أفريانوف جنرالًا. وتخرج عام 1988 من الأكاديمية العسكرية في طشقند، فيما كان يعرف آنذاك بجمهورية أوزبكستان السوفيتية.
لقد أمضى الكثير من حياته المهنية مع المخابرات العسكرية الروسية، والتي وفقًا للمخابرات البريطانية. رسخت نفسها داخل مجتمع المخابرات الروسية مع تصلب السياسة الخارجية للبلاد.
اقرأ ايضاً: ما هي مجموعة فاغنر ومن أين تجمع أموالها وهكذا قطع بوتين رأس زعيمها
وقد جعلت هذه القوة من وحدات GRU رأس الحربة السرية لاستراتيجية التوتر هذه التي استمرت في النمو منذ ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014.
كانت الوحدة 29155 مسؤولة خلال الحرب الباردة عن تدريب المتمردين الشيوعيين في آسيا وإفريقيا وأمريكا الوسطى. وتم تحويلها مرة أخرى، بعد سقوط جدار برلين، إلى الخدمة العسكرية للجيش الروسي، ولا سيما في الشيشان في التسعينيات.
وكانت واحدة من ثلاث وحدات GRU كافأتها وزارة الدفاع الروسية على “إنجازاتها الخاصة في إطار مهمتها العسكرية”، وهي مصطلحات متواضعة تشير في كثير من الأحيان إلى أعمال سرية دموية.
بطل روسيا!
وذكر تحقيق لموقع “سفوبودا” (مدعوم من الولايات المتحدة) في 14 سبتمبر/أيلول 2019. بالتعاون مع موقع “بيلينغكات” الاستقصائي، أن أفريانوف حصل على لقب “بطل روسيا” في يناير/كانون الثاني 2015، لدوره في الاستيلاء على شبه جزيرة القرم الأوكرانية في ربيع 2014، إضافة إلى ثلاثة أوسمة شجاعة.
وأشار تقرير “سفوبودا” بالتعاون مع موقع “بيلينغكات” والذي تناول علاقة الاستخبارات العسكرية الروسية. بحادثة تسميم العميل المزدوج سيرغي سكريبال وابنته يوليا في سالزبري ـ بريطانيا، في 4 مارس/آذار 2018. إلى علاقة أفريانوف مع أحد المتهمين الأساسيين في الحادثة.
ونشر التقرير صوراً قال إنها لحضور أناتولي تشيبيغا، المتهم بتسميم سكريبال. حفلة زفاف ابنة أفريانوف الوحيدة، في فندق على ضفاف بحيرة سينيج في شمال شرقي العاصمة موسكو بين مدينتي كلين وديميترف. على بعد عدة كيلومترات من مقر تستخدمه الاستخبارات العسكرية الروسية لإدارة عملياتها الخارجية.
أفريانوف وحفل الزفاف
وظهرت الصور التي تؤكد صلة أفريانوف بالمتهمين في موقع مصوري حفلات الزفاف “مايويد”. وعلى موقع وكالة الزفاف الروسية “زفونوفا”، التي نظمت الاحتفال في صيف 2017 أي قبل أشهر من حادثة تسميم سالزبري، وهما بتروف وبوشيروف. (ضابطا المخابرات العسكرية الروسية أناتولي تشيبيغا وألكسندر ميشكين). وحسب التحقيق المشترك فقد عاش أفريانوف في نهاية التسعينيات في مقاطعة سمارا وسط روسيا، وعثر المحققون على صورة له تعود إلى 2012 في حفل زفاف ابنة شقيقه الذي يشبهه كثيراً.
وعلى الرغم من تقاطع المعلومات حول تخرج أفريانوف من مدرسة طشقند العليا لقيادة الأسلحة المشتركة. فلا توجد أي صورة له في أثناء فترة التدريب أو التخرج، ولكن محققي “ببلينغكات” اكتشفوا أن أفريانوف ظل على علاقة مع خريجي الجامعة، وأن اسمه كان موجوداً بشكل سري في إحدى اللوحات التي أشارت إليه بحرفي “إيه بي”. حسب تقرير نشره موقع العربي الجديد.
وخلص المحققون إلى أن إدارة المدرسة عمدت إلى نوع من التضليل ووضعت. اللوحة الحاملة لاسم أفريانوف ضمن قائمة “خريجي المدرسة الذين قضوا أثناء تأدية واجبهم القتالي”، في معرض نظم في مسرح الجيش الأحمر الواقع وسط موسكو بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس مدرسة طشقند العسكرية. وبالإضافة إلى الشك بأن “إيه بي”، هو أفريانوف، فقد وجد المحققون صوراً لرجال عسكريين آخرين على قيد الحياة، من ضمنهم العقيد سيرغي فورونين.
وشارك أفريانوف في تعليقات لموقع خريجي المدرسة العسكرية. في تأبين عدد من خريجي المدرسة التي خرّجت الكثير من الكوادر للجيش السوفييتي.
ومن هذه التعليقات استطاع محققو “بيلينغكات” وموقع “سفوبودا” الحصول على معلومات. إضافية عن ماضي الجنرال. واستنتج المحققون أن أفريانوف ولد في عشق أباد (عاصمة جمهورية تركمانستان الحالية). وذلك من نص شاركه في منتدى مدرسة طشقند في تأبين خريج المدرسة باتير غاراييف، يتحدث عن أنه تعرف عليه في مدرسة ابتدائية بجوار وحدة عسكرية في عشق أباد.
ثعلب روسيا وليس بطل
وخلص المحققون إلى أن أفريانوف شارك في الحرب في أفغانستان، من تعليقه. على وفاة الجنرال خاشانش باكسانوف وقوله “إن مصائرنا متشابكة بشكل وثيق للغاية. وهو معروف ومحترم ومحبوب من قبل العديد من خريجينا الذين خدموا في أفغانستان وطاجيكستان… باكسانوف في الحرب الأفغانية أشعل النار في نفسه، وبعد ذلك بقيت بعض الشظايا في رأسه حتى الموت”. وحسب التقرير الاستقصائي، فإن أفريانوف حصل على الأرجح على أول وسام للشجاعة عن مشاركته في حرب أفغانستان (1979 ـ 1989).
ومن مشاركة ثانية عبر تعليق على مقتل الضابط الأوكراني فيكتور سيلفيني الذي قضى في أغسطس/آب 1993 في البوسنة. رجح معدو التقرير أن أفريانوف كان على علم بظروف وملابسات مقتل سلفيني. وأنه شارك في وحدة السلام في البلقان أثناء الحرب الأهلية في يوغسلافيا السابقة، وأنه حصل بعد مهمته المذكورة على وسام الشجاعة الثاني.
وذكر التقرير أن الوسام الثالث حصل عليه نتيجة مشاركته في حرب الشيشان. (تسعينيات القرن الماضي). وذكر التقرير أن أفريانوف شارك في موقع مدرسة طشقند ترجمات لكتب وألبومات. حول السلاح الأبيض في البلقان. وذكر التقرير “سفوبودا” في عام 2018، أن أفريانوف شارك صورة لخنجر حفر على مقبضه شعار جهاز الاستخبارات العسكرية الروسية.
وفي تقرير لـ”سفوبودا”، وحسب معلومات إضافية نشرتها “نيويورك تايمز” في عام 2018. تعود فكرة تشكيل “الوحدة 29155” التي يقودها أفريانوف إلى وزير الدفاع السابق أناتولي سيرديوكوف، الذي قرر زيادة رواتب العاملين في قيادة “قوات العمليات الخاصة” في سينيج في منطقة موسكو (الوحدة 99450)، ووحدة “القراصنة” التابعة لوحدة الاستخبارات العسكرية رقم 74455.
وحسب بيانات غير رسمية، فإن “الوحدة 29155” تشرف على تدريب عملاء وجواسيس الاستخبارات العسكرية في الخارج. واتهمتها السلطات الأميركية بالتدخل لصالح الرئيس السابق دونالد ترامب في انتخابات 2016. وأدت الوحدة دوراً في التحضير للسيطرة على شبه جزيرة القرم في 2013 وبداية 2014، قبل أن تتحول إلى ادارة العمليات في أوروبا.
مقتل بريغوجين
ومع كشف الصحافة الغربية عن وقائع جولة بريغوجين الأخيرة في أفريقيا والتي اختتمها قبل مقتله بأيام. وربطاً بمشاركة أفريانوف في اجتماعات بوتين مع القادة الأفارقة، يبدو أن الكرملين الذي عمل بجدّ من أجل إعادة هيكلة “فاغنر”. والسيطرة على نشاطاتها في أفريقيا، ربما بمشاركة الاستخبارات العسكرية الروسية مع دور مركزي لأفريانوف، أغضبه تحرك بريغوجين ومحاولته المحافظة على نشاطاته في أفريقيا كاستثمار خاص من دون إشراف الكرملين.
والأرجح أن بريغوجين “الذي خدم روسيا كثيراً لكنه ارتكب أخطاء” حسب بوتين، ارتكب خطيئتين. الأولى عبر التمرد والتوجه نحو موسكو في 24 يونيو/حزيران الماضي، والثانية معارضة مخططات الكرملين. الذي أوفد نائب وزير الدفاع يونس بك يفكيروف إلى ليبيا. لبحث مستقبل التعاون مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بعد تمرد “فاغنر”، ما استدعى تسريع القضاء على بريغوجين لعدم تعطيل مخططات الكرملين للتوسع في أفريقيا.