في خطوة لافتة ومثيرة للجدل، أنشأت إسرائيل “قرية ترفيهية” مخصصة للجنود المشاركين في العمليات العسكرية في غزة. بهدف تخفيف الضغوط النفسية والجسدية التي يواجهونها. وبحسب تقرير لموقع Ynet، تشمل القرية مجموعة من الخدمات الفاخرة التي تحاكي أجواء الفنادق الراقية.
إسرائيل تقدم خدمات فاخرة لتحسين المعنويات
تتضمن المرافق المتاحة في القرية معالجين طبيعيين لتقديم جلسات تدليك، وصالات جلوس مزودة بآلات لصنع الفشار وحلوى غزل البنات. كما تُقدم وجبات طعام فاخرة تتنوع بين الفطائر البلجيكية، البريتزل الطازج، وأطباق اللحوم المشوية. بالإضافة إلى ذلك، يضم الموقع ركنًا روحيًا يحتوي على كتب دينية وإكسسوارات صلاة تقدم “بروح إيجابية”، وفقًا للتقرير.
استجابة لضغوط طويلة الأمد
تأتي هذه المبادرة بعد مرور أكثر من خمسة عشر شهرًا على العمليات العسكرية في غزة، حيث يواجه الجنود تحديات تتعلق بالإرهاق النفسي والجسدي، بالإضافة إلى البعد عن أسرهم والتكاليف المالية المرتفعة. ويُنظر إلى القرية الترفيهية كوسيلة لتحسين معنويات الجنود الذين يشكون من الضغوط المتزايدة في ظل غياب أفق واضح لإنهاء الصراع.
ولاقى المشروع انتقادات من قبل منظمات حقوق الإنسان ونشطاء فلسطينيين، الذين وصفوه بأنه محاولة لتجميل العمليات العسكرية. وتجاهل المعاناة الإنسانية في غزة. وتأتي هذه الانتقادات في وقت يعيش فيه سكان القطاع أوضاعًا كارثية بفعل الحصار والدمار الناتج عن العمليات العسكرية.
فيما ينظر إلى هذه القرية الترفيهية على أنها جهد لتحسين ظروف الجنود، يرى مراقبون أنها تعكس تناقضًا أخلاقيًا صارخًا. بين رفاهية الجنود واستمرار معاناة سكان غزة. ويبقى السؤال المطروح حول جدوى مثل هذه المبادرات في ظل تصاعد الدعوات الدولية لإنهاء النزاع المستمر.
الفضاء الشبح
ولكن ماذا يرى الجنود من المجمع الصحي الفاخر في قلب “وادي القتل”؟ في مكان يبحث فيه الأطفال المتعطشون. لأي قطرة ماء عن أقل قطعة لحم نجت من القصف الأخير؟ في مكان يبحث فيه الآباء المحطمون عن أبنائهم تحت الأنقاض؟
وفي مكان تجمع فيه الأمهات الأعشاب والأعلاف الحيوانية لإشباع جوع أطفالهن؟ كذلك في مكان تأكل فيه الكلاب المهجورة. أجزاء من أجساد البشر المتناثرة؟ ماذا يرى الجنود بينما تذوب حلوى القطن اللذيذة على شفاههم؟
في غزة، أصبح من المستحيل منذ فترة طويلة الاكتفاء بمحو الفلسطينيين عن الأنظار؛ وفي غزة، يتعين على إسرائيل أن تخترع واقعاً بديلاً بالكامل. وفق ما ذكر تقرير نشره موقع ميدل ايست أي البريطاني.
لا أعلم ما تراه أعينهم الحقيقية، ولكنني أعلم أن الصهيونية كانت تتمتع دائمًا بموهبة غير عادية في تدريب أتباعها. على رؤية ما يخدم أغراضها فقط مع محو كل شيء آخر عن الأنظار.
بهذه الطريقة فقط يستطيع “شعب بلا أرض” أن يستقر في “أرض بلا شعب”.
ولكن في غزة، أصبح من المستحيل منذ فترة طويلة الاكتفاء بمحو الفلسطينيين عن الأنظار؛ وفي غزة، يتعين على إسرائيل أن تخترع واقعاً بديلاً بالكامل.
منذ سنوات عديدة، تعمل إسرائيل بشكل مطرد على إزالة غزة من نطاق الوجود الإنساني كما نفهمه.
اقرأ أيضاً: نتساريم: معبر الموت الذي يفصل الفلسطينيين عن أوطانهم
قبل وقت طويل من السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحولت غزة إلى نوع من الفضاء الشبح الذي يختبئ في أظلم زوايا النفس الإسرائيلية الجماعية. مكان يشهد وجوده على شيء فظيع للغاية فينا لدرجة أننا يجب أن نخفي هذا الشيء تمامًا، فقط حتى لا نضطر إلى النظر إليه مباشرة.
منتزه أكشن الترفيهي
إن التعامل معه يجب أن يكون دائمًا خارج الواقع، لأن الواقع الذي خلقناه هناك لا يمكن فهمه على الإطلاق.
ونقوم بتركيب المناظير على التلال المطلة على غزة حتى يتمكن الأطفال من إدخال عملة معدنية من فئة الخمسة شيكل. ورؤية أعمدة الدخان المتصاعدة فوق الأرض.
نتابع مسلسلات تلفزيونية، مثل مسلسل فوضى ، تقدم لنا غزة وكأنها نوع من منتزهات الأكشن الترفيهية. (بينما تستمر في فتح أبواب الجحيم على أراضيها، كل عام تقريبًا)، حتى يتحول الواقع إلى تدمير كامل للحضارة التي كانت موجودة هناك ذات يوم.
ثم نضطر إلى إقامة حضارة زائفة جديدة، مع آلة صنع الفشار وحلوى القطن والتدليك – وكلما ازداد الواقع نفسه قتامة، يجب أن يبدو الواقع البديل أكثر لونًا ومهرجانًا وخيالًا.
اقرأ أيضاً: الإبادة في غزة: نتنياهو “يُنهي المهمة” والعالم يراقب
وهكذا يجلس الجنود في وادي القتل، يشوون ويأكلون اللحوم في مواقعهم المسلحة حيث لا يتوقف العمل أبدًا.
ولا يستطيعون التعرف على نوع اللحوم المتفحمة التي يشتمونها – سواء كانت لحوم الحيوانات المشوية التي جلبت إلى هناك من أجل متعتهم، أو لحوم جثث الناس الذين يُمنع الجنود من الاقتراب من شواطئهم.